تطور نظام إدارة البيئة في المملکة الأردنية الهاشمية: دراسة تحليلية لخطب العرش 1953- 1997 THE DEVELOPMENT OF ENVIRONMENTAL MANAGEMENT SYSTEM IN THE HASHEMITE KINGDOM OF JORDAN: AN ANALYTICAL CASE STUDY OF THE SPEECH FROM THE THRONE 1953-1997 (Case Study)

Document Type : Original Article

Abstract

الملخص :




تهدف هذه الدراسة إلى تحليل خطب العرش التي ألقيت في الفترة ما بين 1953- 1997، والتي تعبر عن توجه وتصور الحکومة الأردنية، وسترکز الدراسة على بعض الخطب في المحافل البيئية الرئيسية، وأثر مثل تلک الخطب في توجيه الرأي المحلي نحو الوعي البيئي من ناحية والآليات التي ترجمت بناء على هذه الخطب. إن أهم مرتکزات الإدارة البيئية الحديثة هو فکر الهرم القيادي لما له دور أساسي رئيسي في تطوير البيئة الحديثة وجذبها نحو التنفيذ والتطبيق، مما يؤدى إلى تطوير نظام إدارة البيئة سواء على المستوى المحلي أو العالمي.
ABSTRACT :
                This study aims to analyze the speeches from the throne which reflected the strategy of the government, and delivered at the National Assembly during the period from 1953 to 1997. This study will focus only, on those speeches and some selected ones that delivered in special occasions related to environmental issues for both local and international levels, to explore its roles toward improving the Environmental Management Systems (EMS) at the Kingdom as a case study. According to the modern Environmental Management Systems the role and actions of the top manager is an effective way to develop the environment state of art in any country. The development of the environmental law in 1995 and establishment of Environmental Protection Agency in 1996 were examples of these actions (in 2004 Ministry of Environment has been established). All these actions and other related environmental fields are sdemonstrated in this study.

Highlights

 

 

 

AUCES

 

تطور نظام إدارة البيئة في المملکة الأردنية الهاشمية:

دراسة تحليلية لخطب العرش 1953- 1997

 محمد حمد  " أبودية معتوق  

  قسم الهندسة الکيميائية – کلية الهندسة التکنولوجيا - جامعة البلقاء التطبيقية - عمان -الأردن

 

الملخص :

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل خطب العرش التي ألقيت في الفترة ما بين 1953- 1997، والتي تعبر عن توجه وتصور الحکومة الأردنية، وسترکز الدراسة على بعض الخطب في المحافل البيئية الرئيسية، وأثر مثل تلک الخطب في توجيه الرأي المحلي نحو الوعي البيئي من ناحية والآليات التي ترجمت بناء على هذه الخطب. إن أهم مرتکزات الإدارة البيئية الحديثة هو فکر الهرم القيادي لما له دور أساسي رئيسي في تطوير البيئة الحديثة وجذبها نحو التنفيذ والتطبيق، مما يؤدى إلى تطوير نظام إدارة البيئة سواء على المستوى المحلي أو العالمي.

 


مقدمة:

لا شک أن المرحلة التي کانت تمر بها المملکة الأردنية الهاشمية في الفترة ما بين 1953-1997، والتي ساد بها حکم الملک حسين شهدت کثير من الأزمات السياسية على الصعيد المحلي والدولي والاضطرابات الداخلية التي استحوذت الکثير من جهد الحکومة وترکيزها بزخم کبير نحو الوضع السياسي والأمني أکثر منها اقتصاديا  لتطوير المملکة.

فمنذ بداية حکم الملک عام 1952 عاصر الأردن حرباً أدت إلى تغيير ديموغرافي مفاجئ، فحرب عام 1948 أدت إلى تدفق ما لا يزيد عن 122.000 لاجئ موزعين ما بين الضفة الغربية وعمان، أما حرب 1967 فقد أدت إلى تدفق 33.843 لاجئ إلى مدينة عمان العاصمة[1].

وقد أدى هذا التغير الديموغرافي المفاجئ إلى إعادة التفکير والحساب في الخطط التنموية والمعطيات الاقتصادية. أما حرب 1973 فقد جعلت من الأردن قطبا في هذه الحرب التي اندلعت على الجبهتين المصرية والسورية. وأما حرب الخليج عام 1990، فقد أدت إلى إرهاق الأردن ماليا ومعنويا واقتصاديا مما أجبر ما لا يزيد عن 300 ألف أردني إلى العودة[2]، وتأثرت المملکة بهذا الکم الهائل من قدوم البشر الذي أدى إلى أحداث تغيير جذري في الخطط التنموية وإعادة النظر في أسعار بعض المواد الأساسية للمواطن مثل الماء والکهرباء وترکيز الجهد نحو ترشيد الاستهلاک[3].

على الرغم من کل هذه التحديات اهتمت حکومة المملکة الأردنية بالموارد البيئية الأساسية للمملکة رغم محدودية الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي الذي أعطى المملکة الطابع الصحراوي ومحدودية الرقعة الزراعية والمياه. وبهذا يمکن القول إن القيادة العليا لعبت دوراً بارزاً في بناء نظام بيئي حديث في المملکة وإصدار قانون يهتم بالبيئة، وإنشاء مؤسسة ترعى الشئون البيئية، إلى أن تم الإعلان عن إنشاء وزارة متخصصة للبيئة.

 

1- نظام الإدارة البيئية في خطاب العرش :

خطاب العرش هو الخطاب الذي يقرأه جلالة الملک أمام مجلس الأمة، وفيه يتم تحديد الأطر العامة لسياسة الدولة والآليات المتبعة للتنفيذ والقوانين والتشريعات التي تطرح أمام مجلس الأمة للمناقشة والتنفيذ. ومما لاشک فيه أن ما يطرحه الملک أمام مجلس الشعب لا بد أن يلقى الأثر الإيجابي لتحقيق هدف معين تقوم الحکومة بتنفيذه؛ لأن خطب العرش کانت شاملة لجميع النواحي السياسية للمملکة سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، وما يهمنا في هذا الصدد فقط هو الترکيز على نظام إدارة البيئة وما يتصل بها.

 

أ- مفهوم إدارة البيئة:

لقد تم تعريف البيئةفي مؤتمر الأرض الذي عقد لأول مرة وعلى مستوى دولي في  استکهولم 1972، وتحت رعاية الأمم المتحدة کما يلي: إن کل الموارد الطبيعية الموجودة على الأرض من ماء، هواء، تربة، نبات، وحيوان هي النظام البيئي الذي يجب حمايته للأجيال الحالية والقادمة من خلال تخطيط دقيق وإدارة منظمة وحسب المطلوب[4]

وبعد عقدين من الزمن تم وضع ما يعرف بإعلان ريو دي جانيرو/البرازيل في مؤتمر الأرض 1992 الذي حدد المبادئ الأساسية لحقوق الدول والتزاماتها مکملة لمؤتمر استکهولم على النحو التالي[5]:

- الإنسان هو النواة الأساسية للتطوير المستديم وله الحق في العيش في بيئة سليمة وبتناسق هرموني مع الطبيعة.

- لکل دولة الحق في استغلال مواردها الطبيعية ولکن بدون إحداث أي ضرر في البيئة لأي دولة مجاورة أو غير مجاورة

- الدول الصناعية تتحمل على عاتقها متابعة التطور المستديم وتقديم العون ضمن هذا الإطار للدول النامية.

          يلاحظ هنا أن الأساس في بناء نظام الإدارة البيئية يعتمد کثيراً على إدارة الموارد الطبيعية والحفاظ عليها للوصول إلى نمو اقتصادي متوازن بيئياً واجتماعياً سواء في المجال الزراعي، أو مصادر المياه، أو الصناعة او حتى القوى البشرية.

 

ب- مفهوم البيئة من خلال خطاب العرش:

لم يرد نصاً صريحاً يخص نظام البيئة لأول مرة إلا في خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة الحادي عشر في 27/11/1989، وکما يلي: " في مجال البيئة، بدأت حکومتي في معالجة القضايا التي تتصل شئونها بحرص وعناية نظرا لارتباط سلامة البيئة بسلامة الإنسان ومستقبله...." أما ما قبل ذلک فقد کانت محاور الخطاب تخص تحديداً الزراعة، المياه، ومشکلة التصحر. ومما لاشک فيه تعتبر هذه المحاور العماد الأساسي لسلامة الإنسان والمحافظة على التنوع البيئي. وبناءً على ما تقدم سوف يتم تقسيم ورقة البحث هذه إلى تحليل لما قبل خطاب الحادي عشر (1989) الحقبة الأولى (1953-1989)، وما بعد هذا الخطاب الحقبة الثانية (1990-1997).

إن فکرة الحکومة الأردنية تتلخص خلال العقود الأولى من تسلم الملک للحکم کان ينصب حسب ما يعرف في نظام الإدارة البيئية الحديثة " دور القيادة Leadership" في التأکيد على أهمية الموارد الطبيعية (الزراعة) کرافد اقتصادي وأمن غذائي ومصدر للتطوير الإقليمي المحلي (المناطق الصحراوية، البادية، الأغوار)، إذ کانت الزراعة في بعض الأحيان عنصر أساسي للتوطين لبعض أبناء البادية في المناطق الجنوبية للمملکة (خطاب العرش في 1/12/1973). وهنا إشارة إلى ما يعرف "بث المعرفة بين المواطنين والمشارکة في الوعي البيئي"؛ لأن مثل هذه الخطب تبث من أعلى منابر الخطابة وتصل إلى شريحة کبيرة من المواطنين على اختلاف رتبهم، وتنقل عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.  مما أثر تأثيراً کبيراً على مفهوم البيئة وحاجة المواطن إلى حمايتها.

 

2- تطوير الموارد الطبيعية (الزراعة في الحقبة 1953-1989) :

          کان دور الحکومة منصباً على تطوير الزراعة لسببين رئيسيين:

الأول: إن الزراعة رافد اقتصادي مهم للمملکة، إذ أن الأردن ونظراً لجغرافية منطقة الغور جعلت من هذه المنطقة مستنبتا زراعيا لمحاصيل زراعية تنضج قبل مثيلاتها في مناطق أخرى من المملکة أو حتى في الدول المجاورة، فتسويق مثل هذه المحاصيل سوف يکون له أکبر الأثر في زيادة الدخل القومي (خطاب 27/11/1989).

ثانيا- مکافحة التصحر: لقد وضعت المملکة سياسة لتحريج المناطق الصحراوية وذلک للحفاظ على البيئة والتنوع البيئي (Biodiversity). فمن المعروف في علم إدارة البيئة إن زيادة الرقعة الصحراوية ستقضي بلا شک على التنوع البيئي الحيوي، وإنشاء برنامج لمکافحة مثل هذه الظاهرة وبرعاية ملکية ستؤدي إلى تسخير کافة فئات المجتمع في إنجاح مثل هذا البرنامج (Top level Management).

         إن أهم ما يميز هذه الحقبة (1953-1989) في مجال الزراعة والمساهمة في بناء إدارة بيئية ما يلي :

- تطبيق قانون التشجير الإجباري في أنحاء المملکة من خلال إنشاء دائرة متخصصة -دائرة الحراج- (خطاب 11/11/1954)، وقد تم الإشارة إلى أن الحکومة قامت بتحريج 16 ألف دونما (الدونم حوالى رُبع فدان) في المملکة وغرس وتوزيع 4 ملايين غرسة (خطاب 1/10/1964).

- تم تعويض المزارعين خلال مواسم الجفاف وإمدادهم بالمال للحيلولة دون القضاء على هذا العنصر الفعال عن طريق الإعفاء من الضرائب أو القروض الزراعية طويلة الأجل وهو ما يعرف في علم البيئة التدخل في آلية السوق للحفاظ على مستوى معين من التوازن البيئي والاقتصادي (Market Mechanism Interfere) عن طريق المنح أو التسهيلات (خطاب 1/10/1958).

- إنشاء دائرة علمية لتتبع التطور العلمي الحديث في المجال الزراعي وتقديم العون وإجراء الأبحاث الزراعية على أسس علمية حديثة ونقل للتکنولوجيا الحديثة (خطاب 1/10/1959)، والترکيز على توسعة الإرشاد الزراعي (خطاب 1/11/1960)،

- ضمان عدم فساد الأراضي ( Prevent Land Degradation)، وذلک بوضع سياسة لتوزيع أراضي يثبت أنها تصلح زراعياً وتحتوي آباراً إرتوازية وخاصة في مناطق البادية (خطب 1/8/1963، 1/12/1971، 1/12/1973، 1/11/1986).

- اعتبار الزراعة نوع من الأمن الغذائي للدولة والترکيز على التنوع الاستراتيجي في الزراعة والحفاظ على المياه (خطب 2/12/1985، 1/11/1986، 27/11/1989).

          لعل مثل هذا التوجه يوضح أن هنالک سياسة تحقق متطلبات السوق، کما تعمل على المحافظة على البيئة. 

أ- المياه والبيئة في الحقبة 1953-1989:

          إن المياه ترتبط بشدة بالبيئة وبشکل مباشر. فتطوير مصادر المياه وترشيد الاستهلاک، وتسعير المياه وإعادة استخدامها أيضاً مظهر بيئي، ولنأخذ ما ميز هذه الحقبة من الزمن وأثرها في تطوير استغلال المياه ودورها في الحفاظ على البيئة.

          إن الأردن وخلال الحروب التي خاضها في الأعوام 1948، 1967، 1973 يکون قد فقد 90% من حقه في مياه نهر الأردن[6]، وباتت توزيع مصادر وروافد نهر الأردن لا يخضع إلى آية اتفاقية دولية وساد عنصر القوة في الوصول إلى مثل هذه المصادر، ومن هنا أصبحت المياه سلاحاً استراتيجياً في المنطقة ومحور نزاع إقليمي[7].

          لقد لعبت الأزمات السياسية والصراع في المنطقة دوراً فعالاً في ظهور مشکلة المياه وشح مصادرها في عام 1990 بشکل فعلي، وهذا ما سيتم توضيحه لاحقا. ونظراً لغياب المؤشرات الحقيقية وقلة الدراسات في الفترة من عام 1953 حتى عام 1989 أدى ذلک إلى وجود إشارة واضحة تدل على قلة المياه في المملکة. وقد تميزت هذه الفترة بما يلي :

- الاهتمام بالآبار الإرتوازية وتوجيه الأنظار إلى أنها المصدر الأول  للمياه في المملکة، أي ما يعرف بسياسة الدولة (Government Policy) مما عکس التوجه نحو استراتيجية محددة، وهي أن مصدر المملکة الأساسي هو المياه الجوفية أکثر من المياه السطحية حتى يتم المحافظة على أمن الدولة (خطب 1/12/1953، 1/10/1958، 1/10/1959، 1/8/1963)

- استغلال أهم رافد لنهر الأردن، وهو نهر اليرموک في إنشاء قناة الغور الشرقية التي تم الإعلان عن إنشائها في خطاب 1/10/1958 لوضع مساحة کبيرة من وادي الأردن لزيادة الري الکثيف، وتم الإعلان رسمياً عن قدرة هذه القناة لري 30 ألف دونما في وادي الأردن في خطاب 1/11/1961. لعل هذه الخطوة کانت الأولى في إدارة مصادر مياه نهر الأردن (Jordan River Water Resources Management).

- إنشاء سلطة لتنظيم قطاع المياه من تسعير وتوزيع وتنمية وإدارة مصادر المياه في المملکةوأطلق عليها سلطة المياه. وتعتبر هذه الخطوة في إنشاء مؤسسة حکومية في علم إدارة البيئية من أهم المرتکزات
للحفاظ وعلى المصادر الطبيعية وإدارتها
Institutional and Organization Management (خطاب 1/11/1960).

- إتباع سياسة بناء السدود وتنمية وتشجيع ما يعرف بالحصاد المائي حيث تم بناء العديد من السدود في المناطق المختلفة من المملکة شمالا وجنوباً، وکلها تهدف إلى زيادة مصادر المياه السطحية والاستفادة من مياه الأمطار والوديان في الري أو حقن الآبار الإرتوازية Resource Management (خطب 1/11/1955 ، 28/11/1965، 1/12/1966).

- لأول مرة يرد نصاً أن مياه نهر اليرموک حق وطني ورافد أساسي للري في وادي الأردن (خطاب 10/10/1987)، وکذلک إعطاء المياه الأهمية الأولى من أولويات الحکومة وانتهاج سياسة مائية مکثفة للاستخدام الأمثل للموارد المائية (خطاب 27/11/1989)، وهذا ما يعرف بالتخطيط وتحديد الأولويات في علم إدارة البيئة (Planning, Definition Priorities and Strategies  ).

- اعتبار إنشاء  شبکة مياه وصرف صحي لخدمة کافة المواطنين في المملکة مطلب أساسي لحياة بيئية سليمة (خطاب 10/10/1987).

- في نهاية الحقبة لوحظ أن مصادر وروافد نهر الأردن أنها حق للمملکة، لذا کان لابد من الشروع في  بناء سد الوحدة، (خطاب 10/10/1987، 27/11/1989) يمکن أن ننظر هنا إلى هذا من منظورين الأول سياسيا وفيه إشارة لاستغلال روافد نهر الأردن کحق دولي مشترک بين دول الجوار، أما من المنظور الثاني فهو إدارة مياه نهر الأردن ومصادره من ناحية بيئية لها اثر إيجابي  للحفاظ على البحيرات التي يغذيها في المناطق الدنيا مثل بحيرة الحولة وطبريا والبحر الميت.

 

3- الحقبة 1990-1997 :

أهم ما يميز هذه الحقبة القصيرة حدثين هامين يتصلان بالبيئة بشکل مباشر أو غير مباشر. الأول اندلاع حرب الخليج، وثانيهما إنشاء المؤسسة العامة لحماية البيئة. أما الحدث الأول وعلاقته بالبيئة فان التغيير الديموغرافي المفاجئ أدى بصانع القرار إلى إعادة التفکير في کثير من إدارة الموارد الطبيعية، وذلک بجدولة توزيع المياه في کافة إنحاء المملکة بعد أن أصبحت هنالک حاجة ملحة لتزويد العاصمة وضواحيها بکميات کافية من المياه مع قلة مثل هذه المصادر. کما أن التغيير في تعداد  سکان المملکة والزيادة السکانية الغير متوقعة، أدى إلى إيجاد برنامج لترشيد الاستهلاک و البحث عن مصادر مياه جديدة، أو حتى إتباع سياسة الحصاد المائي بحيث تصب في اتجاه واحد هو أيضا الحفاظ على البيئة. وبذا أصبح مفهوم المياه والبيئة واسع الانتشار والشعار المقبول للحفاظ على مصادر المياه.

وقد سعى الأردن إلى مد علاقات دولية إلى دول مجاورة لتأمين مصادر جديدة للمياه وإعادة إدارة هذه المصادر المائية المشترکة لقلة مصادر المياه في المملکة[8]، وإعادة توزيع روافد نهر الأردن وبناء سد الوحدة للاستفادة من مصادر المياه[9].

أما الحدث الثاني فهو إنشاء مؤسسة حماية البيئة، والتي وضحت  مهامها حسب ما ورد في خطاب 27/11/1989:

- التخطيط السليم والتنفيذ السريع للإجراءات التي تقتضيها ظروف حماية البيئة وسلامتها.

- وضع التشريعات والبرامج الخاصة التى تهدف إلى في توسيع إطار حماية البيئة.

- العمل على مشارکة المواطن في رعاية البيئة محلياً وعالمياً.

لذا يمکن القول أن حقبة 1990-1997 تعتبر بحق بداية الانفتاح على البيئة وحظيت باهتمام أعلى سلطة في المملکة، وقد تميزت هذه الحقبة الحساسة بالترشيد والاهتمام بالناحية الاقتصادية وهو ما يعرف في علم البيئة وضع أدوات اقتصادية (Economical Tools)، وهي من الأدوات المهمة في بناء سياسة بيئية ووضع آليات للتخطيط.
ويمکن تلخيص أهم مظاهر هذه الحقبة من ناحية نظام إدارة البيئة بما يلي:

أ- الزارعة:

- إعادة النظر في السياسة الزراعية بهدف استغلال جميع الأراضي في الزراعة للحفاظ على الأمن الغذائي والتنوع البيولوجى في المحاصيل الزراعية (خطاب 17/11/1990)، نظراً لزيادة الکثافة السکانية .

- أصبح الاهتمام بالزراعة أقل أهمية من قبل مقارنة مع حقبة 1953-1989، والسبب الأساسي هو قلة مصادر المياه، واقتصرت على استصلاح الأراضي الرعوية وإنشاء المحميات ومتابعة الأشجار المثمرة، وترکزت السياسة بالتوجه نحو زراعة محاصيل لا تحتاج إلى المياه بکثرة (خطاب1/12/1992، 23/12/1993). لهذا کان لابد من اتخاذ قرار للتحول نحو الحفاظ على مصادر المياه وفي نفس الوقت في الحفاظ على التنوع البيئي مثل إنشاء المحميات ومتابعة استصلاح الأراضي.

 

ب- المياه:

          لقد کان ما يميز هذه الحقبة هو إتباع إجراءات لم تکن مألوفة في الخطب السامية السابقة، ولا على المواطن بشکل خاص، فبعد أن اعتاد المواطن على استهلاک الماء وحسب مايشاء وبدون أدنى اهتمام بالکلفة الحقيقية لهذه الثروة المائية، واعتبارها حقاً مکتسباً بدون أي مقابل مما أدى إلى استنزاف هذه الثروة، وأصبح لابد من وضع استراتيجية جديدة وبمفهوم بيئي سليم، کما يلي:

- تعديل تسعيرة المياه للشرائح الاستهلاکية (خطاب 17/11/1990) حيث أن ترک المياه، وبسعر ذي معدل ثابت (Flat Rate Price) يعتبر سياسة غير ناجحة في علم البيئة ( (Failure Environmental Policy، وقد اعتبرت هذه الظاهرة وسياسة أسعار المياه المدعومة من قبل الحکومة سياسة غير سليمة[10].

- تم الإشارة إلى أن المياه من الموضوعات الرئيسية ذات الأهمية القصوى وأبعاد قانونية واقتصادية واجتماعية وفنية نتيجة للوضع المائي الصعب، وأن المحافظة على حقوق المياه المشترکة مع الدول المجاورة والعمل على إيجاد حلول إقليمية لتأمين وتنمية مصادر المياه (خطاب 1/12/1991)، وقد لوحظ في هذا الخطاب إلى إشارة صريحة للتمهيد إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع الدول المجاورة للحفاظ على مصادر المياه وحقوقها.

- بناء السدود لترشيد استهلاک المياه وتعظيم الاستفادة منها (خطاب 1/12/1992، 23/11/1993، 22/10/1994، 19/11/1996).

 

جـ- البيئة:

لعل هذه الحقبة  وعلى الرغم من قصرها فقد حظيت باهتمام واضح من الناحية البيئية وعلى المستوى الملکي الشخصي. وقد يرجع هذا الاهتمام إلى سبب رئيسي مهم وهو تتابع الأحداث البيئية على المستوى العالمي مثل  ثقب الأوزون، الاحتباس الحرارى، وظاهرة النفايات الخطرة مما أدى إلى الاهتمام بها من قبل الملک شخصياً باعتباره صانع القرار لما للبيئة من أهمية محلياً وعالمياً. لذلک نرى أن الملک بنفسه يشارک في المحافل البيئية مثل التوقيع على بروتوکول مونتيريال، وخطاب في مؤتمر الأرض عام 1992. وهذا ما يعرف في علم إدارة البيئة الحديث " المشارکة بأعلى مستوى من الإدارة لنجاح أية عملية إدارية (Top Management Participation). وقد تميزت هذه الحقبة بما يلي:

- المشارکة في الجهود الدولية لحماية البيئة عن طريق حضور المؤتمرات والندوات، والتوقيع على المواثيق والمعاهدات التي تخص البيئة وحمايتها، مثل اتفاق لاهاي، والمشارکة في مؤتمر جنيف، ومؤتمر الأرض في 1992، والتوقيع على اتفاقية تغيير المناخ والتنوع البيولوجي (خطاب 1/12/1992).

- إنشاء قانون البيئة في عام 1993 (خطاب 13/12/1993).

- اعتماد معايير بيئية حديثة في مشاريع الطاقة والمياه (خطاب 19/11/1996).

- التوسع في خدمات الصرف الصحي من مفهوم بيئي (خطاب 22/10/1994).

- اللائحة التنفيذية لقانون البيئة في عام 1995.

    

4- دور القيادة العليا في المحافل الدولية في مجال البيئة :

يعتبر أهم خطاب لأعلى سلطة في البلاد هو خطاب الملک في مجال البيئة الذي ألقي في ريو دي جانيرو 1992. وما يميز الخطاب أنه أشار إلى مشارکة الملک شخصيا في صياغة استراتيجية البيئة الوطنية والذي رسم ووضح بها سياسة وتطور الحياة البيئية في الأردن. لقد لخص الخطاب  تطور الحياة البيئية کما جاء في  الخطاب السامي کما يلي[11]:

- الاهتمام البيئي على مستوى المملکة في عام 1966 بتأسيس الجمعية الملکية لحماية الطبيعة، وتأسيس وزارة للعناية بشئون البيئة في عام 1979، وهى وزارة الشئون البلدية والقروية والبيئة.

- العمل وبإشراف ملکي على صياغة الاستراتيجية الوطنية للبيئة.

- مشارکة السلطة التشريعية في العمل على حماية البيئة.

- العمل على إنشاء محکمة للفصل في القضايا التي تخص البيئة، والبدء في تطبيق بعض الأدوات البيئية (Environmental Tools) کوسيلة للحفاظ عليها مثل فرض ضرائب وقانون وتعليمات صارمة وتقييم للآثار السلبية للمشاريع التي ستنفذ في المملکة على البيئة.

- إنشاء المنظمات وسن القوانين التي تساهم وتعمل على الحفاظ على البيئة ونشر المعرفة والتعليم في مجال البيئة على المستوى المحلي.

- الالتزام بجميع المعايير والقوانين التي تساهم في حماية البيئة على الرغم من الضغوط الديوموغرافية والاقتصادية والسياسية في المنطقة.

إن أهمية التزام القيادة العليا أمام المنبر العالمي هو أساس نجاح الإدارة البيئية (Top Management Commitment)، والتي بدورها تعطي الضوء الأخضر في نظام الإدارة للتحرک والوصول إلى نظام متکامل يتجاوب مع کافة المستويات المحلية. ولاشک أن مثل هذا الالتزام من قائد الوطن له الدور الإيجابي والمحرک في المملکة والتوجيه نحو أردن يتمتع بسمعة بيئية ليس على المستوى المحلي فحسب بل والدولي کذلک.

ومن هنا يتضح أن المملکة اهتمت بوضع سياسة بيئية واضحة لحماية البيئة وإنجاح الإدارة البيئية.

 

التحليل والمناقشة :

إن المتتبع للسياسة التي انتهجتها المملکة في تطوير نظام إدارة البيئة  کانت مبنية على أسس استراتيجية حديثةفي علم إدارة البيئة الحديث[12]، ويمکن تحليليها کما يلي:

1- القيادة (Leadership):

          إن القيادة العليا لها الدور الفعال في تحريک وبناء استراتيجية بيئية، خاصة في جذب انتباه العامة (Public Attention)، وخلق نظام إداري متکامل من الأعلى إلى- الأدنى في تنمية المصادر والموارد الطبيعية. ويلاحظ ذلک على سبيل المثال في تنمية المصادر الطبيعية في الزراعة عن طريق المشارکة الشخصية  في احتفالات المملکة في يوم الشجرة وغرس الأشجار مع المواطنين وعلى مستوى المملکة.

 

2- المعلوماتية والتحليل :

          تعتبر هذه الخطوة من أهم الأساسيات في علم إدارة البيئة، إذ أنها تعتمد على جمع المعلومات اللازمة لبناء استراتيجية وتخطيط سليم، ومن ثم تحفيز المواطن للمساهمة في عملية التطوير البيئي، ويلاحظ هذا في سياسة الملک في عملية تطوير الزراعة عن طريق تأسيس مرکز وطني لبحوث الزراعة وإنشاء سلطة للمياه، ووزارة للطاقة والثروة المعدنية لوضع المعلومات اللازمة في مجال إدارة واستغلال الموارد الطبيعية على أسلوب إداري حديث ومتطور.

 

3- التخطيط الاستراتيجي (Strategic Planning):

          يتم ذلک بعد دراسة وجمع المعلومات والأولويات المهمة وتعريفها، ومن ثم ربطها بنظام إدارة البيئة لوضع الاستراتيجيات لتنفيذ النظام البيئي. ويلاحظ هذا في اهتمامات المملکة في بناء استراتيجية البيئة الوطنية ووضع المرتکزات التي اعتمدت عليها سواء في الحاضر أو المستقبل مما ترتب عليه إنشاء مؤسسة لحماية البيئة، وإلزام کافة المشاريع الکبيرة التي تنفذ في المملکة في تخصيص جزءاً من خطة المشروع في الحفاظ على البيئة ودراسة تقييم الأثر البيئى له حسب الأنظمة والقوانين المتعارف عليها دولياً ومحلياً للحماية البيئة.

4- تطوير المصادر البشرية:

          فيها يتم تعريف المصادر البشرية والنواحي العلمية اللازمة لرفع کفاءة الفرد کعضو فعال في المجموعة أو فريق عمل للوصول إلى الأهداف التي تم وضعها لتنفيذ نظام الإدارة. ويمکن ملاحظة هذه السياسة في وضع برنامج الإرشاد الزراعي التي تم الإشارة إليه في اکثر من خطاب للعرش لتطوير العملية الزراعية والمحافظة على المصادر المائية والتوجيه نحو زراعة محاصيل لا تستهلک کميات مياه کبيرة، وذلک في خلال الحقبة الأولى 1953-1989 (مواسم الجفاف). أما في الحقبة الثانية فقد کانت واضحة وموجهة لتوظيف کفاءات في مجال الحفاظ على البيئة من خلال مؤسسة حماية البيئة والتعاون مع منظمات دولية لرفع الکفاءات البشرية، وعلى أسس بيئية حديثة من خلال الدورات التدريبية والندوات.




5- إدارة العمليات (Process Management):

          فيها يتم التعرف على مفاتيح إدارة العملية في وحدة الأنظمة حتى يتم التأکد من الاحتياجات اللازمة للجهات المستفيدة (Stakeholders)، ومن ثم توجيهها في عملية التطوير سواء في الخدمات أو الاستهلاک. فقد کان ذلک جلياً في التعامل مع مصادر المياه، وخاصة في الحقبة الثانية. ونتيجة لزيادة السکان في عام 1990، وبعد حرب الخليج وقلة المصادر المائية حيث تم وضع المفاتيح الأساسية في إدارة مصادر المياه في المملکة من خلال فرض تسعيرة جديدة للمياه، وضع برنامج ترشيد استهلاکي، وبرنامج توزيع للمياه على مستوى الأمة، وکذلک العمل على إيجاد مصادر جديدة مع تطوير للمصادر المتوفرة.

 

6- النواتج : 

          يتم فيها وضع الآليات لما تم تحديده لتحقيق الأهداف والأغراض في المراحل التي سبق ذکرها، وکذلک التعرف على کفاءة نظام الإدارة ووضع المؤشرات اللازمة وربطها.

 

7- القناعة والترکيز (Satisfaction and Focus):

          فيه يتم وضع نظام للمکونات المساندة والترکيز على رفع الکفاءات والمعايير اللازمة للعملية الإدارية. 

 

استراتيجية معالجة مشکلة المياه :

          يتضح من الشکل (1) السياسة التي تم إتباعها في الفترة من عام 1990 حتى 1997، وکذلک السياسة غير الصحيحة في الحقبة من عام 1953 حتى 1989.

          ويلاحظ أن الحکومة قامت بوضع أدوات اقتصادية للمحافظة على الموارد الطبيعية من الاستنزاف الجائر مثل وضع تسعيرة جديدة للمياه، وبرنامج شامل للمملکة لتوزيع المياه کنوع من ترشيد الاستهلاک. وفي نفس اللحظة بدأت الجهود في إيجاد مصادر جديدة للمياه عن طريق تبني سياسة الحصاد المائي وبناء سدود في الأودية وتطوير تکنولوجيا لتنمية مصادر المياه مثل التحلية وتحريک السوق المحلي لإيجاد أفضل وأرخص الطرق لتأمين مياه صالحة للشرب على الأقل، کل هذا سيؤدي في النهاية إلى التنمية المستديمة أي الحفاظ على نمو اقتصادي مع الحفاظ على المصادر والموارد الطبيعية دون الاستنزاف أو الاستهلاک الجائر، وهذه هي أحد أهداف مؤتمر الأرض الذى کان شعاره الأساسي "التنمية المستديمة" Sustainable Development .

من هنا يلاحظ کيف أن دور الحکومة کان موجهاً نحو التطوير المستمر ووضع الاستراتيجيات المهمة في المملکة للوصول إلى المستوى المطلوب في مجال حماية البيئة والحفاظ عليها.

 

الخلاصة :

من هذه الدراسة يمکن الوصول إلى :

1- اتجاه ووعي القيادة العليا يرسخ قواعد نظم الإدارة البيئية على أساس تنموي سليم.

2- الاهتمام بنظم الإدارة البيئية مع وضع أدوات اقتصادية للمحافظة على الموارد الطبيعية من الاستنزاف وتحقيق التنمية المستدامة أمر هام جداً.

3- التخطيط الاستراتيجي هام جداً لتنفيذ النظام البيئى.

4- ضرورة تطوير المصادر البشرية والتدريب المستمر في جميع المجالات البيئية ورفع مستوى الکفاءات

5- دراسة احتياجات الجهات المستفيدة وتوجيه عمليات التطوير لخدمتها.

6- متابعة تحقيق الأهداف والأغراض البيئية.


 


 

 

 

 

 



المراجــــــــع:

1-Studies on Social Development in the Middle East (United Nations Economics and Social Office in Beirut, New York: United Nations 1970).

2-The Middle East and North Africa (London: Europa Publications Limited), (1996), p. 600.

3- خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة الحادي عشر 17/11/1990.

4- http://www.unep.org/Documents/Default.asp? DocumentID=97&ArticleID=1503

5-UN web site at UPL: http://www.un.org/documents/ga/conf151/aconf15126-1annex1.htm

6-An Analysis of Water Management Resources (1999) :  Projects in Jordan and Its Role in Regional Development Following the Middle East Peace Process”, Matouq. M., Regional Developments Studies (RDS), United Nations Centre for Regional Development (UNCRD) vol. 5.

7- المياه في الشرق الأوسط الواقع والتحديات (2000): إصدار مرکز زايد للتنسيق والمتابعة.

8-Masahiro Murakami, Managing Water for Peace in the Middle East (1995): Alternative Strategies and Aaron Wolf, Hydropolitics A Long the Jordan River (Tokyo: United Nations University Press, p. 285.

9-Bo Appelgre, “Management of Transbo-undary Water Resources for Water Security; Principle, Approaches and State Practice,” (1997): Natural Resources Forum 21 (No. 2):91-100.

10-Green Markets, The Sustainable Develo-pment, T. Panayotou, (1993): A co-publication of the  International Center for Economic Growth and the Harvard Institute for International Development, California, p.82.

11-http://www.kinghussein.gov.jo/speechespage. html

12-Strategic Environmental Management (1996), pp. 15-32Grace Wever, John Wiley.


 

 

THE DEVELOPMENT OF ENVIRONMENTAL MANAGEMENT SYSTEM IN THE HASHEMITE KINGDOM OF JORDAN:

AN ANALYTICAL CASE STUDY OF THE SPEECH

FROM THE THRONE 1953-1997

(Case Study)

Mohammed Abu-Dayeh Matouq

Al-Balqa Applied University, Faculty of Engineering Technology, Amman-Jordan

 

ABSTRACT :

                This study aims to analyze the speeches from the throne which reflected the strategy of the government, and delivered at the National Assembly during the period from 1953 to 1997. This study will focus only, on those speeches and some selected ones that delivered in special occasions related to environmental issues for both local and international levels, to explore its roles toward improving the Environmental Management Systems (EMS) at the Kingdom as a case study. According to the modern Environmental Management Systems the role and actions of the top manager is an effective way to develop the environment state of art in any country. The development of the environmental law in 1995 and establishment of Environmental Protection Agency in 1996 were examples of these actions (in 2004 Ministry of Environment has been established). All these actions and other related environmental fields are sdemonstrated in this study.


 

 

 

AUCES

 

تطور نظام إدارة البيئة في المملکة الأردنية الهاشمية:

دراسة تحليلية لخطب العرش 1953- 1997

 محمد حمد  " أبودية معتوق  

  قسم الهندسة الکيميائية – کلية الهندسة التکنولوجيا - جامعة البلقاء التطبيقية - عمان -الأردن

 

الملخص :

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل خطب العرش التي ألقيت في الفترة ما بين 1953- 1997، والتي تعبر عن توجه وتصور الحکومة الأردنية، وسترکز الدراسة على بعض الخطب في المحافل البيئية الرئيسية، وأثر مثل تلک الخطب في توجيه الرأي المحلي نحو الوعي البيئي من ناحية والآليات التي ترجمت بناء على هذه الخطب. إن أهم مرتکزات الإدارة البيئية الحديثة هو فکر الهرم القيادي لما له دور أساسي رئيسي في تطوير البيئة الحديثة وجذبها نحو التنفيذ والتطبيق، مما يؤدى إلى تطوير نظام إدارة البيئة سواء على المستوى المحلي أو العالمي.

 


مقدمة:

لا شک أن المرحلة التي کانت تمر بها المملکة الأردنية الهاشمية في الفترة ما بين 1953-1997، والتي ساد بها حکم الملک حسين شهدت کثير من الأزمات السياسية على الصعيد المحلي والدولي والاضطرابات الداخلية التي استحوذت الکثير من جهد الحکومة وترکيزها بزخم کبير نحو الوضع السياسي والأمني أکثر منها اقتصاديا  لتطوير المملکة.

فمنذ بداية حکم الملک عام 1952 عاصر الأردن حرباً أدت إلى تغيير ديموغرافي مفاجئ، فحرب عام 1948 أدت إلى تدفق ما لا يزيد عن 122.000 لاجئ موزعين ما بين الضفة الغربية وعمان، أما حرب 1967 فقد أدت إلى تدفق 33.843 لاجئ إلى مدينة عمان العاصمة[1].

وقد أدى هذا التغير الديموغرافي المفاجئ إلى إعادة التفکير والحساب في الخطط التنموية والمعطيات الاقتصادية. أما حرب 1973 فقد جعلت من الأردن قطبا في هذه الحرب التي اندلعت على الجبهتين المصرية والسورية. وأما حرب الخليج عام 1990، فقد أدت إلى إرهاق الأردن ماليا ومعنويا واقتصاديا مما أجبر ما لا يزيد عن 300 ألف أردني إلى العودة[2]، وتأثرت المملکة بهذا الکم الهائل من قدوم البشر الذي أدى إلى أحداث تغيير جذري في الخطط التنموية وإعادة النظر في أسعار بعض المواد الأساسية للمواطن مثل الماء والکهرباء وترکيز الجهد نحو ترشيد الاستهلاک[3].

على الرغم من کل هذه التحديات اهتمت حکومة المملکة الأردنية بالموارد البيئية الأساسية للمملکة رغم محدودية الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي الذي أعطى المملکة الطابع الصحراوي ومحدودية الرقعة الزراعية والمياه. وبهذا يمکن القول إن القيادة العليا لعبت دوراً بارزاً في بناء نظام بيئي حديث في المملکة وإصدار قانون يهتم بالبيئة، وإنشاء مؤسسة ترعى الشئون البيئية، إلى أن تم الإعلان عن إنشاء وزارة متخصصة للبيئة.

 

1- نظام الإدارة البيئية في خطاب العرش :

خطاب العرش هو الخطاب الذي يقرأه جلالة الملک أمام مجلس الأمة، وفيه يتم تحديد الأطر العامة لسياسة الدولة والآليات المتبعة للتنفيذ والقوانين والتشريعات التي تطرح أمام مجلس الأمة للمناقشة والتنفيذ. ومما لاشک فيه أن ما يطرحه الملک أمام مجلس الشعب لا بد أن يلقى الأثر الإيجابي لتحقيق هدف معين تقوم الحکومة بتنفيذه؛ لأن خطب العرش کانت شاملة لجميع النواحي السياسية للمملکة سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، وما يهمنا في هذا الصدد فقط هو الترکيز على نظام إدارة البيئة وما يتصل بها.

 

أ- مفهوم إدارة البيئة:

لقد تم تعريف البيئةفي مؤتمر الأرض الذي عقد لأول مرة وعلى مستوى دولي في  استکهولم 1972، وتحت رعاية الأمم المتحدة کما يلي: إن کل الموارد الطبيعية الموجودة على الأرض من ماء، هواء، تربة، نبات، وحيوان هي النظام البيئي الذي يجب حمايته للأجيال الحالية والقادمة من خلال تخطيط دقيق وإدارة منظمة وحسب المطلوب[4]

وبعد عقدين من الزمن تم وضع ما يعرف بإعلان ريو دي جانيرو/البرازيل في مؤتمر الأرض 1992 الذي حدد المبادئ الأساسية لحقوق الدول والتزاماتها مکملة لمؤتمر استکهولم على النحو التالي[5]:

- الإنسان هو النواة الأساسية للتطوير المستديم وله الحق في العيش في بيئة سليمة وبتناسق هرموني مع الطبيعة.

- لکل دولة الحق في استغلال مواردها الطبيعية ولکن بدون إحداث أي ضرر في البيئة لأي دولة مجاورة أو غير مجاورة

- الدول الصناعية تتحمل على عاتقها متابعة التطور المستديم وتقديم العون ضمن هذا الإطار للدول النامية.

          يلاحظ هنا أن الأساس في بناء نظام الإدارة البيئية يعتمد کثيراً على إدارة الموارد الطبيعية والحفاظ عليها للوصول إلى نمو اقتصادي متوازن بيئياً واجتماعياً سواء في المجال الزراعي، أو مصادر المياه، أو الصناعة او حتى القوى البشرية.

 

ب- مفهوم البيئة من خلال خطاب العرش:

لم يرد نصاً صريحاً يخص نظام البيئة لأول مرة إلا في خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة الحادي عشر في 27/11/1989، وکما يلي: " في مجال البيئة، بدأت حکومتي في معالجة القضايا التي تتصل شئونها بحرص وعناية نظرا لارتباط سلامة البيئة بسلامة الإنسان ومستقبله...." أما ما قبل ذلک فقد کانت محاور الخطاب تخص تحديداً الزراعة، المياه، ومشکلة التصحر. ومما لاشک فيه تعتبر هذه المحاور العماد الأساسي لسلامة الإنسان والمحافظة على التنوع البيئي. وبناءً على ما تقدم سوف يتم تقسيم ورقة البحث هذه إلى تحليل لما قبل خطاب الحادي عشر (1989) الحقبة الأولى (1953-1989)، وما بعد هذا الخطاب الحقبة الثانية (1990-1997).

إن فکرة الحکومة الأردنية تتلخص خلال العقود الأولى من تسلم الملک للحکم کان ينصب حسب ما يعرف في نظام الإدارة البيئية الحديثة " دور القيادة Leadership" في التأکيد على أهمية الموارد الطبيعية (الزراعة) کرافد اقتصادي وأمن غذائي ومصدر للتطوير الإقليمي المحلي (المناطق الصحراوية، البادية، الأغوار)، إذ کانت الزراعة في بعض الأحيان عنصر أساسي للتوطين لبعض أبناء البادية في المناطق الجنوبية للمملکة (خطاب العرش في 1/12/1973). وهنا إشارة إلى ما يعرف "بث المعرفة بين المواطنين والمشارکة في الوعي البيئي"؛ لأن مثل هذه الخطب تبث من أعلى منابر الخطابة وتصل إلى شريحة کبيرة من المواطنين على اختلاف رتبهم، وتنقل عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.  مما أثر تأثيراً کبيراً على مفهوم البيئة وحاجة المواطن إلى حمايتها.

 

2- تطوير الموارد الطبيعية (الزراعة في الحقبة 1953-1989) :

          کان دور الحکومة منصباً على تطوير الزراعة لسببين رئيسيين:

الأول: إن الزراعة رافد اقتصادي مهم للمملکة، إذ أن الأردن ونظراً لجغرافية منطقة الغور جعلت من هذه المنطقة مستنبتا زراعيا لمحاصيل زراعية تنضج قبل مثيلاتها في مناطق أخرى من المملکة أو حتى في الدول المجاورة، فتسويق مثل هذه المحاصيل سوف يکون له أکبر الأثر في زيادة الدخل القومي (خطاب 27/11/1989).

ثانيا- مکافحة التصحر: لقد وضعت المملکة سياسة لتحريج المناطق الصحراوية وذلک للحفاظ على البيئة والتنوع البيئي (Biodiversity). فمن المعروف في علم إدارة البيئة إن زيادة الرقعة الصحراوية ستقضي بلا شک على التنوع البيئي الحيوي، وإنشاء برنامج لمکافحة مثل هذه الظاهرة وبرعاية ملکية ستؤدي إلى تسخير کافة فئات المجتمع في إنجاح مثل هذا البرنامج (Top level Management).

         إن أهم ما يميز هذه الحقبة (1953-1989) في مجال الزراعة والمساهمة في بناء إدارة بيئية ما يلي :

- تطبيق قانون التشجير الإجباري في أنحاء المملکة من خلال إنشاء دائرة متخصصة -دائرة الحراج- (خطاب 11/11/1954)، وقد تم الإشارة إلى أن الحکومة قامت بتحريج 16 ألف دونما (الدونم حوالى رُبع فدان) في المملکة وغرس وتوزيع 4 ملايين غرسة (خطاب 1/10/1964).

- تم تعويض المزارعين خلال مواسم الجفاف وإمدادهم بالمال للحيلولة دون القضاء على هذا العنصر الفعال عن طريق الإعفاء من الضرائب أو القروض الزراعية طويلة الأجل وهو ما يعرف في علم البيئة التدخل في آلية السوق للحفاظ على مستوى معين من التوازن البيئي والاقتصادي (Market Mechanism Interfere) عن طريق المنح أو التسهيلات (خطاب 1/10/1958).

- إنشاء دائرة علمية لتتبع التطور العلمي الحديث في المجال الزراعي وتقديم العون وإجراء الأبحاث الزراعية على أسس علمية حديثة ونقل للتکنولوجيا الحديثة (خطاب 1/10/1959)، والترکيز على توسعة الإرشاد الزراعي (خطاب 1/11/1960)،

- ضمان عدم فساد الأراضي ( Prevent Land Degradation)، وذلک بوضع سياسة لتوزيع أراضي يثبت أنها تصلح زراعياً وتحتوي آباراً إرتوازية وخاصة في مناطق البادية (خطب 1/8/1963، 1/12/1971، 1/12/1973، 1/11/1986).

- اعتبار الزراعة نوع من الأمن الغذائي للدولة والترکيز على التنوع الاستراتيجي في الزراعة والحفاظ على المياه (خطب 2/12/1985، 1/11/1986، 27/11/1989).

          لعل مثل هذا التوجه يوضح أن هنالک سياسة تحقق متطلبات السوق، کما تعمل على المحافظة على البيئة. 

أ- المياه والبيئة في الحقبة 1953-1989:

          إن المياه ترتبط بشدة بالبيئة وبشکل مباشر. فتطوير مصادر المياه وترشيد الاستهلاک، وتسعير المياه وإعادة استخدامها أيضاً مظهر بيئي، ولنأخذ ما ميز هذه الحقبة من الزمن وأثرها في تطوير استغلال المياه ودورها في الحفاظ على البيئة.

          إن الأردن وخلال الحروب التي خاضها في الأعوام 1948، 1967، 1973 يکون قد فقد 90% من حقه في مياه نهر الأردن[6]، وباتت توزيع مصادر وروافد نهر الأردن لا يخضع إلى آية اتفاقية دولية وساد عنصر القوة في الوصول إلى مثل هذه المصادر، ومن هنا أصبحت المياه سلاحاً استراتيجياً في المنطقة ومحور نزاع إقليمي[7].

          لقد لعبت الأزمات السياسية والصراع في المنطقة دوراً فعالاً في ظهور مشکلة المياه وشح مصادرها في عام 1990 بشکل فعلي، وهذا ما سيتم توضيحه لاحقا. ونظراً لغياب المؤشرات الحقيقية وقلة الدراسات في الفترة من عام 1953 حتى عام 1989 أدى ذلک إلى وجود إشارة واضحة تدل على قلة المياه في المملکة. وقد تميزت هذه الفترة بما يلي :

- الاهتمام بالآبار الإرتوازية وتوجيه الأنظار إلى أنها المصدر الأول  للمياه في المملکة، أي ما يعرف بسياسة الدولة (Government Policy) مما عکس التوجه نحو استراتيجية محددة، وهي أن مصدر المملکة الأساسي هو المياه الجوفية أکثر من المياه السطحية حتى يتم المحافظة على أمن الدولة (خطب 1/12/1953، 1/10/1958، 1/10/1959، 1/8/1963)

- استغلال أهم رافد لنهر الأردن، وهو نهر اليرموک في إنشاء قناة الغور الشرقية التي تم الإعلان عن إنشائها في خطاب 1/10/1958 لوضع مساحة کبيرة من وادي الأردن لزيادة الري الکثيف، وتم الإعلان رسمياً عن قدرة هذه القناة لري 30 ألف دونما في وادي الأردن في خطاب 1/11/1961. لعل هذه الخطوة کانت الأولى في إدارة مصادر مياه نهر الأردن (Jordan River Water Resources Management).

- إنشاء سلطة لتنظيم قطاع المياه من تسعير وتوزيع وتنمية وإدارة مصادر المياه في المملکةوأطلق عليها سلطة المياه. وتعتبر هذه الخطوة في إنشاء مؤسسة حکومية في علم إدارة البيئية من أهم المرتکزات
للحفاظ وعلى المصادر الطبيعية وإدارتها
Institutional and Organization Management (خطاب 1/11/1960).

- إتباع سياسة بناء السدود وتنمية وتشجيع ما يعرف بالحصاد المائي حيث تم بناء العديد من السدود في المناطق المختلفة من المملکة شمالا وجنوباً، وکلها تهدف إلى زيادة مصادر المياه السطحية والاستفادة من مياه الأمطار والوديان في الري أو حقن الآبار الإرتوازية Resource Management (خطب 1/11/1955 ، 28/11/1965، 1/12/1966).

- لأول مرة يرد نصاً أن مياه نهر اليرموک حق وطني ورافد أساسي للري في وادي الأردن (خطاب 10/10/1987)، وکذلک إعطاء المياه الأهمية الأولى من أولويات الحکومة وانتهاج سياسة مائية مکثفة للاستخدام الأمثل للموارد المائية (خطاب 27/11/1989)، وهذا ما يعرف بالتخطيط وتحديد الأولويات في علم إدارة البيئة (Planning, Definition Priorities and Strategies  ).

- اعتبار إنشاء  شبکة مياه وصرف صحي لخدمة کافة المواطنين في المملکة مطلب أساسي لحياة بيئية سليمة (خطاب 10/10/1987).

- في نهاية الحقبة لوحظ أن مصادر وروافد نهر الأردن أنها حق للمملکة، لذا کان لابد من الشروع في  بناء سد الوحدة، (خطاب 10/10/1987، 27/11/1989) يمکن أن ننظر هنا إلى هذا من منظورين الأول سياسيا وفيه إشارة لاستغلال روافد نهر الأردن کحق دولي مشترک بين دول الجوار، أما من المنظور الثاني فهو إدارة مياه نهر الأردن ومصادره من ناحية بيئية لها اثر إيجابي  للحفاظ على البحيرات التي يغذيها في المناطق الدنيا مثل بحيرة الحولة وطبريا والبحر الميت.

 

3- الحقبة 1990-1997 :

أهم ما يميز هذه الحقبة القصيرة حدثين هامين يتصلان بالبيئة بشکل مباشر أو غير مباشر. الأول اندلاع حرب الخليج، وثانيهما إنشاء المؤسسة العامة لحماية البيئة. أما الحدث الأول وعلاقته بالبيئة فان التغيير الديموغرافي المفاجئ أدى بصانع القرار إلى إعادة التفکير في کثير من إدارة الموارد الطبيعية، وذلک بجدولة توزيع المياه في کافة إنحاء المملکة بعد أن أصبحت هنالک حاجة ملحة لتزويد العاصمة وضواحيها بکميات کافية من المياه مع قلة مثل هذه المصادر. کما أن التغيير في تعداد  سکان المملکة والزيادة السکانية الغير متوقعة، أدى إلى إيجاد برنامج لترشيد الاستهلاک و البحث عن مصادر مياه جديدة، أو حتى إتباع سياسة الحصاد المائي بحيث تصب في اتجاه واحد هو أيضا الحفاظ على البيئة. وبذا أصبح مفهوم المياه والبيئة واسع الانتشار والشعار المقبول للحفاظ على مصادر المياه.

وقد سعى الأردن إلى مد علاقات دولية إلى دول مجاورة لتأمين مصادر جديدة للمياه وإعادة إدارة هذه المصادر المائية المشترکة لقلة مصادر المياه في المملکة[8]، وإعادة توزيع روافد نهر الأردن وبناء سد الوحدة للاستفادة من مصادر المياه[9].

أما الحدث الثاني فهو إنشاء مؤسسة حماية البيئة، والتي وضحت  مهامها حسب ما ورد في خطاب 27/11/1989:

- التخطيط السليم والتنفيذ السريع للإجراءات التي تقتضيها ظروف حماية البيئة وسلامتها.

- وضع التشريعات والبرامج الخاصة التى تهدف إلى في توسيع إطار حماية البيئة.

- العمل على مشارکة المواطن في رعاية البيئة محلياً وعالمياً.

لذا يمکن القول أن حقبة 1990-1997 تعتبر بحق بداية الانفتاح على البيئة وحظيت باهتمام أعلى سلطة في المملکة، وقد تميزت هذه الحقبة الحساسة بالترشيد والاهتمام بالناحية الاقتصادية وهو ما يعرف في علم البيئة وضع أدوات اقتصادية (Economical Tools)، وهي من الأدوات المهمة في بناء سياسة بيئية ووضع آليات للتخطيط.
ويمکن تلخيص أهم مظاهر هذه الحقبة من ناحية نظام إدارة البيئة بما يلي:

أ- الزارعة:

- إعادة النظر في السياسة الزراعية بهدف استغلال جميع الأراضي في الزراعة للحفاظ على الأمن الغذائي والتنوع البيولوجى في المحاصيل الزراعية (خطاب 17/11/1990)، نظراً لزيادة الکثافة السکانية .

- أصبح الاهتمام بالزراعة أقل أهمية من قبل مقارنة مع حقبة 1953-1989، والسبب الأساسي هو قلة مصادر المياه، واقتصرت على استصلاح الأراضي الرعوية وإنشاء المحميات ومتابعة الأشجار المثمرة، وترکزت السياسة بالتوجه نحو زراعة محاصيل لا تحتاج إلى المياه بکثرة (خطاب1/12/1992، 23/12/1993). لهذا کان لابد من اتخاذ قرار للتحول نحو الحفاظ على مصادر المياه وفي نفس الوقت في الحفاظ على التنوع البيئي مثل إنشاء المحميات ومتابعة استصلاح الأراضي.

 

ب- المياه:

          لقد کان ما يميز هذه الحقبة هو إتباع إجراءات لم تکن مألوفة في الخطب السامية السابقة، ولا على المواطن بشکل خاص، فبعد أن اعتاد المواطن على استهلاک الماء وحسب مايشاء وبدون أدنى اهتمام بالکلفة الحقيقية لهذه الثروة المائية، واعتبارها حقاً مکتسباً بدون أي مقابل مما أدى إلى استنزاف هذه الثروة، وأصبح لابد من وضع استراتيجية جديدة وبمفهوم بيئي سليم، کما يلي:

- تعديل تسعيرة المياه للشرائح الاستهلاکية (خطاب 17/11/1990) حيث أن ترک المياه، وبسعر ذي معدل ثابت (Flat Rate Price) يعتبر سياسة غير ناجحة في علم البيئة ( (Failure Environmental Policy، وقد اعتبرت هذه الظاهرة وسياسة أسعار المياه المدعومة من قبل الحکومة سياسة غير سليمة[10].

- تم الإشارة إلى أن المياه من الموضوعات الرئيسية ذات الأهمية القصوى وأبعاد قانونية واقتصادية واجتماعية وفنية نتيجة للوضع المائي الصعب، وأن المحافظة على حقوق المياه المشترکة مع الدول المجاورة والعمل على إيجاد حلول إقليمية لتأمين وتنمية مصادر المياه (خطاب 1/12/1991)، وقد لوحظ في هذا الخطاب إلى إشارة صريحة للتمهيد إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع الدول المجاورة للحفاظ على مصادر المياه وحقوقها.

- بناء السدود لترشيد استهلاک المياه وتعظيم الاستفادة منها (خطاب 1/12/1992، 23/11/1993، 22/10/1994، 19/11/1996).

 

جـ- البيئة:

لعل هذه الحقبة  وعلى الرغم من قصرها فقد حظيت باهتمام واضح من الناحية البيئية وعلى المستوى الملکي الشخصي. وقد يرجع هذا الاهتمام إلى سبب رئيسي مهم وهو تتابع الأحداث البيئية على المستوى العالمي مثل  ثقب الأوزون، الاحتباس الحرارى، وظاهرة النفايات الخطرة مما أدى إلى الاهتمام بها من قبل الملک شخصياً باعتباره صانع القرار لما للبيئة من أهمية محلياً وعالمياً. لذلک نرى أن الملک بنفسه يشارک في المحافل البيئية مثل التوقيع على بروتوکول مونتيريال، وخطاب في مؤتمر الأرض عام 1992. وهذا ما يعرف في علم إدارة البيئة الحديث " المشارکة بأعلى مستوى من الإدارة لنجاح أية عملية إدارية (Top Management Participation). وقد تميزت هذه الحقبة بما يلي:

- المشارکة في الجهود الدولية لحماية البيئة عن طريق حضور المؤتمرات والندوات، والتوقيع على المواثيق والمعاهدات التي تخص البيئة وحمايتها، مثل اتفاق لاهاي، والمشارکة في مؤتمر جنيف، ومؤتمر الأرض في 1992، والتوقيع على اتفاقية تغيير المناخ والتنوع البيولوجي (خطاب 1/12/1992).

- إنشاء قانون البيئة في عام 1993 (خطاب 13/12/1993).

- اعتماد معايير بيئية حديثة في مشاريع الطاقة والمياه (خطاب 19/11/1996).

- التوسع في خدمات الصرف الصحي من مفهوم بيئي (خطاب 22/10/1994).

- اللائحة التنفيذية لقانون البيئة في عام 1995.

    

4- دور القيادة العليا في المحافل الدولية في مجال البيئة :

يعتبر أهم خطاب لأعلى سلطة في البلاد هو خطاب الملک في مجال البيئة الذي ألقي في ريو دي جانيرو 1992. وما يميز الخطاب أنه أشار إلى مشارکة الملک شخصيا في صياغة استراتيجية البيئة الوطنية والذي رسم ووضح بها سياسة وتطور الحياة البيئية في الأردن. لقد لخص الخطاب  تطور الحياة البيئية کما جاء في  الخطاب السامي کما يلي[11]:

- الاهتمام البيئي على مستوى المملکة في عام 1966 بتأسيس الجمعية الملکية لحماية الطبيعة، وتأسيس وزارة للعناية بشئون البيئة في عام 1979، وهى وزارة الشئون البلدية والقروية والبيئة.

- العمل وبإشراف ملکي على صياغة الاستراتيجية الوطنية للبيئة.

- مشارکة السلطة التشريعية في العمل على حماية البيئة.

- العمل على إنشاء محکمة للفصل في القضايا التي تخص البيئة، والبدء في تطبيق بعض الأدوات البيئية (Environmental Tools) کوسيلة للحفاظ عليها مثل فرض ضرائب وقانون وتعليمات صارمة وتقييم للآثار السلبية للمشاريع التي ستنفذ في المملکة على البيئة.

- إنشاء المنظمات وسن القوانين التي تساهم وتعمل على الحفاظ على البيئة ونشر المعرفة والتعليم في مجال البيئة على المستوى المحلي.

- الالتزام بجميع المعايير والقوانين التي تساهم في حماية البيئة على الرغم من الضغوط الديوموغرافية والاقتصادية والسياسية في المنطقة.

إن أهمية التزام القيادة العليا أمام المنبر العالمي هو أساس نجاح الإدارة البيئية (Top Management Commitment)، والتي بدورها تعطي الضوء الأخضر في نظام الإدارة للتحرک والوصول إلى نظام متکامل يتجاوب مع کافة المستويات المحلية. ولاشک أن مثل هذا الالتزام من قائد الوطن له الدور الإيجابي والمحرک في المملکة والتوجيه نحو أردن يتمتع بسمعة بيئية ليس على المستوى المحلي فحسب بل والدولي کذلک.

ومن هنا يتضح أن المملکة اهتمت بوضع سياسة بيئية واضحة لحماية البيئة وإنجاح الإدارة البيئية.

 

التحليل والمناقشة :

إن المتتبع للسياسة التي انتهجتها المملکة في تطوير نظام إدارة البيئة  کانت مبنية على أسس استراتيجية حديثةفي علم إدارة البيئة الحديث[12]، ويمکن تحليليها کما يلي:

1- القيادة (Leadership):

          إن القيادة العليا لها الدور الفعال في تحريک وبناء استراتيجية بيئية، خاصة في جذب انتباه العامة (Public Attention)، وخلق نظام إداري متکامل من الأعلى إلى- الأدنى في تنمية المصادر والموارد الطبيعية. ويلاحظ ذلک على سبيل المثال في تنمية المصادر الطبيعية في الزراعة عن طريق المشارکة الشخصية  في احتفالات المملکة في يوم الشجرة وغرس الأشجار مع المواطنين وعلى مستوى المملکة.

 

2- المعلوماتية والتحليل :

          تعتبر هذه الخطوة من أهم الأساسيات في علم إدارة البيئة، إذ أنها تعتمد على جمع المعلومات اللازمة لبناء استراتيجية وتخطيط سليم، ومن ثم تحفيز المواطن للمساهمة في عملية التطوير البيئي، ويلاحظ هذا في سياسة الملک في عملية تطوير الزراعة عن طريق تأسيس مرکز وطني لبحوث الزراعة وإنشاء سلطة للمياه، ووزارة للطاقة والثروة المعدنية لوضع المعلومات اللازمة في مجال إدارة واستغلال الموارد الطبيعية على أسلوب إداري حديث ومتطور.

 

3- التخطيط الاستراتيجي (Strategic Planning):

          يتم ذلک بعد دراسة وجمع المعلومات والأولويات المهمة وتعريفها، ومن ثم ربطها بنظام إدارة البيئة لوضع الاستراتيجيات لتنفيذ النظام البيئي. ويلاحظ هذا في اهتمامات المملکة في بناء استراتيجية البيئة الوطنية ووضع المرتکزات التي اعتمدت عليها سواء في الحاضر أو المستقبل مما ترتب عليه إنشاء مؤسسة لحماية البيئة، وإلزام کافة المشاريع الکبيرة التي تنفذ في المملکة في تخصيص جزءاً من خطة المشروع في الحفاظ على البيئة ودراسة تقييم الأثر البيئى له حسب الأنظمة والقوانين المتعارف عليها دولياً ومحلياً للحماية البيئة.

4- تطوير المصادر البشرية:

          فيها يتم تعريف المصادر البشرية والنواحي العلمية اللازمة لرفع کفاءة الفرد کعضو فعال في المجموعة أو فريق عمل للوصول إلى الأهداف التي تم وضعها لتنفيذ نظام الإدارة. ويمکن ملاحظة هذه السياسة في وضع برنامج الإرشاد الزراعي التي تم الإشارة إليه في اکثر من خطاب للعرش لتطوير العملية الزراعية والمحافظة على المصادر المائية والتوجيه نحو زراعة محاصيل لا تستهلک کميات مياه کبيرة، وذلک في خلال الحقبة الأولى 1953-1989 (مواسم الجفاف). أما في الحقبة الثانية فقد کانت واضحة وموجهة لتوظيف کفاءات في مجال الحفاظ على البيئة من خلال مؤسسة حماية البيئة والتعاون مع منظمات دولية لرفع الکفاءات البشرية، وعلى أسس بيئية حديثة من خلال الدورات التدريبية والندوات.




5- إدارة العمليات (Process Management):

          فيها يتم التعرف على مفاتيح إدارة العملية في وحدة الأنظمة حتى يتم التأکد من الاحتياجات اللازمة للجهات المستفيدة (Stakeholders)، ومن ثم توجيهها في عملية التطوير سواء في الخدمات أو الاستهلاک. فقد کان ذلک جلياً في التعامل مع مصادر المياه، وخاصة في الحقبة الثانية. ونتيجة لزيادة السکان في عام 1990، وبعد حرب الخليج وقلة المصادر المائية حيث تم وضع المفاتيح الأساسية في إدارة مصادر المياه في المملکة من خلال فرض تسعيرة جديدة للمياه، وضع برنامج ترشيد استهلاکي، وبرنامج توزيع للمياه على مستوى الأمة، وکذلک العمل على إيجاد مصادر جديدة مع تطوير للمصادر المتوفرة.

 

6- النواتج : 

          يتم فيها وضع الآليات لما تم تحديده لتحقيق الأهداف والأغراض في المراحل التي سبق ذکرها، وکذلک التعرف على کفاءة نظام الإدارة ووضع المؤشرات اللازمة وربطها.

 

7- القناعة والترکيز (Satisfaction and Focus):

          فيه يتم وضع نظام للمکونات المساندة والترکيز على رفع الکفاءات والمعايير اللازمة للعملية الإدارية. 

 

استراتيجية معالجة مشکلة المياه :

          يتضح من الشکل (1) السياسة التي تم إتباعها في الفترة من عام 1990 حتى 1997، وکذلک السياسة غير الصحيحة في الحقبة من عام 1953 حتى 1989.

          ويلاحظ أن الحکومة قامت بوضع أدوات اقتصادية للمحافظة على الموارد الطبيعية من الاستنزاف الجائر مثل وضع تسعيرة جديدة للمياه، وبرنامج شامل للمملکة لتوزيع المياه کنوع من ترشيد الاستهلاک. وفي نفس اللحظة بدأت الجهود في إيجاد مصادر جديدة للمياه عن طريق تبني سياسة الحصاد المائي وبناء سدود في الأودية وتطوير تکنولوجيا لتنمية مصادر المياه مثل التحلية وتحريک السوق المحلي لإيجاد أفضل وأرخص الطرق لتأمين مياه صالحة للشرب على الأقل، کل هذا سيؤدي في النهاية إلى التنمية المستديمة أي الحفاظ على نمو اقتصادي مع الحفاظ على المصادر والموارد الطبيعية دون الاستنزاف أو الاستهلاک الجائر، وهذه هي أحد أهداف مؤتمر الأرض الذى کان شعاره الأساسي "التنمية المستديمة" Sustainable Development .

من هنا يلاحظ کيف أن دور الحکومة کان موجهاً نحو التطوير المستمر ووضع الاستراتيجيات المهمة في المملکة للوصول إلى المستوى المطلوب في مجال حماية البيئة والحفاظ عليها.

 

الخلاصة :

من هذه الدراسة يمکن الوصول إلى :

1- اتجاه ووعي القيادة العليا يرسخ قواعد نظم الإدارة البيئية على أساس تنموي سليم.

2- الاهتمام بنظم الإدارة البيئية مع وضع أدوات اقتصادية للمحافظة على الموارد الطبيعية من الاستنزاف وتحقيق التنمية المستدامة أمر هام جداً.

3- التخطيط الاستراتيجي هام جداً لتنفيذ النظام البيئى.

4- ضرورة تطوير المصادر البشرية والتدريب المستمر في جميع المجالات البيئية ورفع مستوى الکفاءات

5- دراسة احتياجات الجهات المستفيدة وتوجيه عمليات التطوير لخدمتها.

6- متابعة تحقيق الأهداف والأغراض البيئية.


 


 

 

 

 

 



المراجــــــــع:

1-Studies on Social Development in the Middle East (United Nations Economics and Social Office in Beirut, New York: United Nations 1970).

2-The Middle East and North Africa (London: Europa Publications Limited), (1996), p. 600.

3- خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة الحادي عشر 17/11/1990.

4- http://www.unep.org/Documents/Default.asp? DocumentID=97&ArticleID=1503

5-UN web site at UPL: http://www.un.org/documents/ga/conf151/aconf15126-1annex1.htm

6-An Analysis of Water Management Resources (1999) :  Projects in Jordan and Its Role in Regional Development Following the Middle East Peace Process”, Matouq. M., Regional Developments Studies (RDS), United Nations Centre for Regional Development (UNCRD) vol. 5.

7- المياه في الشرق الأوسط الواقع والتحديات (2000): إصدار مرکز زايد للتنسيق والمتابعة.

8-Masahiro Murakami, Managing Water for Peace in the Middle East (1995): Alternative Strategies and Aaron Wolf, Hydropolitics A Long the Jordan River (Tokyo: United Nations University Press, p. 285.

9-Bo Appelgre, “Management of Transbo-undary Water Resources for Water Security; Principle, Approaches and State Practice,” (1997): Natural Resources Forum 21 (No. 2):91-100.

10-Green Markets, The Sustainable Develo-pment, T. Panayotou, (1993): A co-publication of the  International Center for Economic Growth and the Harvard Institute for International Development, California, p.82.

11-http://www.kinghussein.gov.jo/speechespage. html

12-Strategic Environmental Management (1996), pp. 15-32Grace Wever, John Wiley.


 

 

THE DEVELOPMENT OF ENVIRONMENTAL MANAGEMENT SYSTEM IN THE HASHEMITE KINGDOM OF JORDAN:

AN ANALYTICAL CASE STUDY OF THE SPEECH

FROM THE THRONE 1953-1997

(Case Study)

Mohammed Abu-Dayeh Matouq

Al-Balqa Applied University, Faculty of Engineering Technology, Amman-Jordan

 

ABSTRACT :

                This study aims to analyze the speeches from the throne which reflected the strategy of the government, and delivered at the National Assembly during the period from 1953 to 1997. This study will focus only, on those speeches and some selected ones that delivered in special occasions related to environmental issues for both local and international levels, to explore its roles toward improving the Environmental Management Systems (EMS) at the Kingdom as a case study. According to the modern Environmental Management Systems the role and actions of the top manager is an effective way to develop the environment state of art in any country. The development of the environmental law in 1995 and establishment of Environmental Protection Agency in 1996 were examples of these actions (in 2004 Ministry of Environment has been established). All these actions and other related environmental fields are sdemonstrated in this study.

المراجــــــــع:
1-Studies on Social Development in the Middle East (United Nations Economics and Social Office in Beirut, New York: United Nations 1970).
2-The Middle East and North Africa (London: Europa Publications Limited), (1996), p. 600.
3- خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة الحادي عشر 17/11/1990.
4- http://www.unep.org/Documents/Default.asp? DocumentID=97&ArticleID=1503
5-UN web site at UPL: http://www.un.org/documents/ga/conf151/aconf15126-1annex1.htm
6-An Analysis of Water Management Resources (1999) :  Projects in Jordan and Its Role in Regional Development Following the Middle East Peace Process”, Matouq. M., Regional Developments Studies (RDS), United Nations Centre for Regional Development (UNCRD) vol. 5.
7- المياه في الشرق الأوسط الواقع والتحديات (2000): إصدار مرکز زايد للتنسيق والمتابعة.
8-Masahiro Murakami, Managing Water for Peace in the Middle East (1995): Alternative Strategies and Aaron Wolf, Hydropolitics A Long the Jordan River (Tokyo: United Nations University Press, p. 285.
9-Bo Appelgre, “Management of Transbo-undary Water Resources for Water Security; Principle, Approaches and State Practice,” (1997): Natural Resources Forum 21 (No. 2):91-100.
10-Green Markets, The Sustainable Develo-pment, T. Panayotou, (1993): A co-publication of the  International Center for Economic Growth and the Harvard Institute for International Development, California, p.82.
11-http://www.kinghussein.gov.jo/speechespage. html
12-Strategic Environmental Management (1996), pp. 15-32Grace Wever, John Wiley.